كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

القرآنية الدالة على هذا كثيرة؛ ولذا ثبت أن عدي بن حاتم (رضي الله عنه) سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله} [التوبة: آية 31] كيف اتخذوهم أربابًا من دون الله؟ قال: «ألم يحلوا لهم ما حرم الله، ويحرموا عليهم ما أحل الله؟» قال: بلى. قال: «بذلك اتخذوهم أربابًا» (¬1) والعياذ بالله. ولذلك بين هنا صفات من يُتبع تشريعه ويُعمل به ليبين للخلق أن التشريع لا يُقبل ولا يُتبع إلا ممن هو أهل لأن يشرع؛ ولذا لما ذكر أنه أرسل هذا النبي الكريم لجميع الناس كافة بيَّن أن الذي أرسله بهذا التشريع وهذه الأوامر والنواهي والحلال والحرام أنه الذي له ملك السماوات والأرض، لا إله إلا هو يحيي ويميت. هذه صفات المشرع الذي يُحَلِّلُ ويُحَرِّمُ، وأما غير مَنْ هذه صفاته فليس له حق في ذلك، فاتباع تشريعه كفر برب العالمين كما أوضحناه مرارًا. وهذا معنى قوله: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} لأنه (جل وعلا) هو ملك السماوات والأرض النافذ تصرفه فيها، لا يُسأل فيها عما يفعل، لا معقب لحكمه؛ ولذا كان أمره ونهيه هو اللازم أن يُتبع.
وهذا معنى قوله: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}.
وقوله: {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} قال بعض العلماء: هو في معنى البدل والبيان من: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} لأن المعبود الذي يستحق أن يُفرد بالعبادة وحده هو الذي له ملك السماوات والأرض، الذي يحيي ويميت؛ ولذا قال: {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} أي: لا معبود يُعْبَدُ بالحق إلا هو وحده (جل وعلا) وقد ذكرنا مرارًا أن الإله في (¬2)
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (57) من سورة الأنعام.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (38) من سورة المائدة.

الصفحة 234