كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

أمهاتهم علقًا ومُضَغًا لا حياة فيهم قبل أن يُنفخ فيهم الروح، وأن الإحياءة الأولى هي إحياءتهم في بطون أمهاتهم التي خرجوا بها إلى الدنيا. والإماتة الثانية: الإماتة إلى القبور، بالإحياءة الثانية: الإِحْيَاءَة من القبور بالبعث إلى الحساب والجزاء. وهذا المعنى أوضح الله أنه المراد في سورة البقرة في قوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ... } الآية [البقرة: آية 28] والله (جل وعلا) قد يحيي غير هذا الإحياء ويميت غير هذه الإماتة، فهو يميت الأرض ويحييها كما قال جل وعلا: {يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: آية 50] وكذلك يحيي الإنسان لسؤال الملكين في قبره كما جاء في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا قال: {يُحْيِي وَيُمِيتُ}.
{فَآمِنُواْ بِاللَّهِ} الفاء سببية، وهذه الرسالة لما أُرسل بها هذا الأمين الكريم من قِبَل هذا الملك العظيم الأعظم ملك السماوات والأرض، المعبود وحده، الذي بيده الحياة والموت، هذا يتسب للإيمان بها، وعدم الكفر بها؛ ولذا جاء بالفاء المؤذنة بالسبب في قوله: {فَآمِنُواْ بِاللَّهِ}.
قال بعض علماء العربية: العرب تطلق الإيمان لغة على التصديق، وهذا موجود في لغتها وإن أنكره بعض أهل العلم، كقوله: {وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا} [يوسف: آية 17] أي: بمصدقنا في أن يوسف أكله الذئب {وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف: آية 17].
والإيمان في الشرع: هو التصديق الكامل من جهاته الثلاث، أعني: تصديق القلب بالاعتقاد والنية الصالحة، وتصديق اللسان

الصفحة 236