كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
سماوات فدعوا لهم ذلك الدعاء القرآني العظيم المذكور في قوله: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شيء رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم} إلى آخر دعائهم الكريم [غافر: الآيتان 7، 8]. وهذا معنى قوله: {فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ}.
الأمي: هو الذي لا يقرأ ولا يكتب؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم كان لا يقرأ ولا يكتب {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)} [العنكبوت: آية 48] وكونه لا يقرأ ولا يكتب مع هذه العلوم التي لا يُطَّلع عليها إلا بالوحي يدل على أن هذا إنما عَلِمَه بوحي من الله (جل وعلا).
وقوله: {وَكَلِمَاتِهِ} قال بعض العلماء: معنى كلماته: كتبه التي أنزلها على خلقه (¬1)، كما قال: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ} [البقرة: آية 285] والتحقيق: أن كلمات الله أعم من كتبه (¬2)، وأنها لا يحصيها إلا هو (جل وعلا) كما نوَّه عنها في أُخريات الكهف وأُخريات لقمان في قوله تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)} [الكهف: آية 109] وقال: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: آية 27] وكلمات الله لا يعلمها إلا الله (جل وعلا)، ولو كانت البحور مدادًا لكلماته لنفدت البحور وتلاشت قبل أن
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 302).
(¬2) انظر ابن جرير (13/ 171)، الأضواء (2/ 334).