كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

الإطلاق الثاني: إطلاق الأمة على الرجل المقتدى به، كقوله في إبراهيم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: آية 120].
الإطلاق الثالث: إطلاق الأمة على القطعة والبرهة من الزمان، ومنه قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: آية 45] أي: تذكر بعد برهة من الزمان وقطعة من الدهر. وهو بهذا المعنى قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ} [هود: آية 8] أي: إلى مدة معينة في علمنا.
الإطلاق الرابع: إطلاق الأمة على الشريعة والدين، وهذا الإطلاق مشهور في القرآن، كقوله: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: آية 23] أي: على شريعة وملة ودين، ومنه بهذا المعنى قوله: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: آية 92] أي: دينكم وشريعتكم شريعة واحدة. وهذا الإطلاق معروف مشهور في كلام العرب، ومنه قول نابغة ذبيان (¬1):
حَلَفْتُ فَلَمْ أَتْرُك لِنَفْسِكَ رِيبَةً ... وَهَلْ يَأْثَمَنْ ذُو أمَّةٍ وَهُوَ طَائِعُ

يعني: أن من كان صاحب دين وشريعة لا يرتكب الإثم قاصدًا أبدًا، وهذا يقوله جاهلي، فكيف بالمسلم، فما ينبغي له أن يقول؟! وهذا معنى قوله: {وَبِهِ يَعْدِلُونَ}.
{يَهْدُونَ بِالْحَقِّ} أي: يهدون الناس بالحق، والمراد بالحق الذي يهدون به الناس: هو شرع الله ودينه الذي أنزله على رسله. {وَبِهِ} أي: بالحق المذكور {يَعْدِلُونَ} يصيبون العدالة
¬_________
(¬1) السابق.

الصفحة 243