كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)} [الأعراف: آية 159].
وقد قدمنا في سورة المائدة أن ظاهر القرآن أن هذه الأمة هي الأمة المقتصدة المذكورة في قوله: {مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة: آية 66] وهذه الأمة غاية ما نوَّه الله به عنها أنها مقتصدة، وهذه الأمة الكريمة التي هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم لمَّا نوَّه عنها وعن كتابها جعل فيها مرتبة أعظم من المقتصدة، وذلك في قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} [فاطر: آية 32] فجعل فيهم سابقًا بالخيرات فوق المقتصد، ووعد الجميع ممن أورثوا هذا الكتاب بقوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} الآية [فاطر: آية 33] فآية فاطر هذه تدل دلالة عظيمة واضحة على عظيم هذه الأمة المحمدية، وعلى عظيم نعمة هذا الكتاب والرحمة والنور الذي أنزل الله إليها من السماء على لسان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله لما قال: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} بيّن أن إيراث هذا الكتاب علامة الاصطفاء -وهو الاختيار من الله- ثم قسم هذه الأمة التي اصطفاها الله بإيراث هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام (¬1): قال: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} ثم نوّه عن أن إيراث هذا الكتاب فضلٌ عظيم من الله قال: {ذَلِكَ} أي: إيراثه إياكم ذلك الكتاب {هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} من الله عليكم.
ثم وعد الجمِيع والأول منهم الظالم لنفسه بوعده الصادق إن الله لا يخلف الميعاد {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (106) من سورة الأنعام.

الصفحة 245