كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لله الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)} [فاطر: الآيات 33 - 35] ولم يبق عن الطوائف الثلاثة الموعودة بالجنة -ممن لا يخلف الميعاد- إلا الكفار؛ لأن الله ذكر في مقابلتهم الكفار في قوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)} [فاطر: آية 36].
وكان بعض العلماء يقول (¬1): «حُق لهذه الواو - في سورة فاطر - أن تُكتب بماء العينين» يعني واو {يَدْخُلُونَهَا} لأنها واو شاملة بالوعد الصادق من الله بجنات عدن لجميع هذه الأمة التي أورثت هذا الكتاب، وعلى رأسهم الظالم لنفسه.
وأصح التفسيرات في (الظالم، والمقتصد، والسابق بالخيرات) في آية فاطر هذه: أن الظالم: هو الذي يطيع الله تارة ويعصيه أُخرى، وهو من الذين قال الله فيهم: {خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: آية 102] والمقتصد: هو الذي ينتهي عن المحرمات، ويأتي بالواجبات، ولا يتقرب بالنوافل التي هي غير ترك الحرام أو أداء الواجب. والسابق بالخيرات: هو الذي يمتثل الأوامر، ويجتنب النواهي، ويتقرب إلى الله بالنوافل (¬2).
وقد ذكرنا مرارًا أن العلماء اختلفوا في السبب الذي قُدم من أجله الظالم لنفسه في هذا الوعد العظيم من
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (47) من سورة البقرة.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (106) من سورة الأنعام.