كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

في ذرية إسحاق بمعنى القبائل في ذرية إسماعيل. والذي اختاره غير واحد من المحققين: أن المُمَيَّز محذوف دل المقام عليه: وقطعناهم اثْنَتَيْ عشرة فِرْقَةً. وقوله: {أَسْبَاطًا} بدل من {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ} و {أُمَمًا} بدل بعد بدل على الصواب، ولا مانع من إتيان البدل بعد البدل كما هو معروف في علم العربية، فقد وُجد في كلام العرب. وهذا معنى قوله: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} كل سبط منهم أمة، أي: خلق وقبيلة كثيرة كثيفة العدد.
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى} ذكر (جل وعلا) هنا بعض ما أنعم الله به على الإسرائيليين في التيه يُذكِّر الموجودين منهم زمن نبينا نعمه عليهم، وُيذكِّرهم أيضًا كثرة ما هم فيه من الخلاف وعدم طاعة الله ورسله؛ لأن سبب هذا التيه: أن الله لما أنجا موسى وقومه من فرعون، وفلق لهم البحر، وأمرهم بقتال الجبارين، أصابهم الجبن الذي قدمنا شرحه في سورة المائدة، وقالوا لنبيهم موسى: {لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} فأصابهم الجبن والخوف، فقال موسى: {رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} فضرب الله علبهم التيه أربعين سنة {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} [المائدة: الآيات 24 - 26] يصبحون حيث أمسوا، فإذا مشوا النهار كله أصبحوا من حيث كانوا أمس!! الله ضرب عليهم هذا التيه. وأصحاب الأخبار والتاريخ يطبقون على أن موسى وهارون (عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام) توفيا في التيه (¬1)، ثم صار الخليفة بعد موسى يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف (عليهم
¬_________
(¬1) انظر: تاريخ الطبري (1/ 223)، البداية والنهاية (1/ 316).

الصفحة 250