كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
العرب: هو كل إلقاء جامع بين الخفاء والسرعة تسمية العرب (وحيًا)، فكل من ألقى شيئًا بخفاء وسرعة فهو وحي في كلام العرب؛ ولأجل ذلك كانت العرب تطلق اسم الوحي على الكتابة، وعلى الإشارة، وعلى الإلهام؛ لأن كلاً من هذه إلقاء في سرعة وخفاء. ويطلقون الوحي على الإلهام، ومنه قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ} [النحل: آية 68] أي: ألهمها. ويطلق الوحي على الإشارة، وهو أصح القولين في قوله عن زكريا: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشيًا} [مريم: آية 11] أي: أشار إليهم.
وتطلق العرب الوحي على الكتابة؛ لأنها معان تُلْقَى بِأَفْعَالٍ سَرِيعَةٍ خُفْيَةً، وإطلاق الوحي على الكتابة إطلاق كثير مشهور في كلام العرب، وكان بعض المفسرين يقول: منه قوله في زكريا: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ} أي: كتب لهم، والأظهر: الإشارة، كما يدل عليه قوله: {إِلاَّ رَمْزًا * وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا} [آل عمران: آية 41] وإطلاق العرب الوحي على الكتابة مشهور جدًّا في كلامها، كثير جدًّا في أشعارها، ومنه قول لبيد بن ربيعة في معلقته (¬1):
فَمَدافِعُ الرَّيَانِ عُرِّيَ رَسمُها ... خَلَقًا كما ضَمِنَ الوُحيَّ سِلاَمُها
الوُحيُّ: جمع وحي، وهو الكتابة، وهو (فَعْلٌ) مجموع على (فُعُول)، كَفَلْس وفلوس، ومنه قول عنترة (¬2):
كوحي الصَّحائفِ منْ عهدِ كسرى ... فأهْدَاهَا لأعْجَمَ طِمْطِمي
¬_________
(¬1) شرح القصائد المشهورات (1/ 130)، والمدافع هنا: الأودية التي يتصل بعضها ببعض، كأن بعضها يدفع السيل إلى بعض. و «الريان» واد. و «عُري»: خلا. و «الرسم»: الأثر. و «خلَقًا»: متجردًا بعد جدته.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (112) من سورة الأنعام.