كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
أما تفسير السلوى بالعسل فقوم زعموا أن العرب لا تطلق السلوى على العسل. والتحقيق خلاف هذا، وأن إطلاق السلوى على العسل إطلاق صحيح معروف في كلام العرب، إلا أنه صحيح في العربية وليس صحيحًا في التفسير؛ لأن المراد بالسلوى في الآية ليس العسل، وإن كانت السلوى تطلق على العسل إطلاقًا صحيحًا معروفًا. ومنه قول الهُذلي (¬1):
فَقَاسَمْتُهَا بِاللهِ جَهْدًا لأنَتْمُ ... أَلَذُّ مِنَ السَّلْوَى إِذَا مَا نشورُهَا
السلوى: العسل. ونشورها: نستخرجها. والشَّوْر: استخراج العسل خاصة. هذا معنى قوله: {وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى}.
{كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} أي: وقلنا لهم. و {كُلُواْ} هذا أمر إباحة.
فيه ثلاثة أفعال في اللغة العربية مبدوءة بالهمزة يجوز حذف همزتها في الأمر، ولا نظير لها، وهي: أخذ، وأمر، وأكل (¬2). تقول: في الأمر منها: (خُذ، مُرْ، كُلْ) بقياس مُطَّرد، إلا أن (أَمَرَ) إذا كان قبل الهمزة واو أو فاء كان إثبات الهمزة في الأمر أفصح. ومنه قوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه: آية 132] فإن لم يكن قبلها واو ولا فاء فإسقاط الهمزة في الأمر أفصح، كقوله صلى الله عليه وسلم: «مُرُوهُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعٍ» (¬3) «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» (¬4) ونحو ذلك. وهذا معنى قوله: {كُلُواْ مِن
¬_________
(¬1) السابق.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (118) من سورة الأنعام.
(¬3) السابق.
(¬4) السابق.