كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} كهذا الطائر اللذيذ الذي هو السُّمانَى وهذه الفاكهة العظيمة التي هي المن، أو غير ذلك على أنه أعم من الترنجبين. والطِّيب هنا شامل طِيبَ الإباحة وطِيبَ اللذاذة؛ لأن الطِّيبَ يطلق إطلاقين: يطلق طَيِّبًا من جهة الإباحة وعدم الشُّبْهة، ويُطلق طَيِّبًا من جهة اللذاذة وحسن المأكل، وهو جامع لهما هنا في قوله: {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}.
{وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الأعراف: آية 160] فهؤلاء اليهود لمَّا أنْعَمَ الله عليهم هذه النعم وخالفوا ادَّخَرُوا من المن والسلوى وهم منهيون عن الادِّخَار، وسيأتي ما بدلوا من القول والفعل ما سلط الله عليهم بسببه من العذاب، قال الله: إن مخالفاتهم عند الإنعام عليهم، ومقابلاتهم إنعام الله بمعاصيه أنهم ما ظلموا الله في ذلك، وما ظلموا إلا أنفسهم، أي: وما ظلمونا بمقابلتهم إنعامنا بالمعاصي ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
وقوله: {وَمَا ظَلَمُونَا} هو نص صريح على أن نفي الفعل لا يدل على إمكانه؛ لأن الله نفى ظلمهم له، ونفيه (جل وعلا) ظلمهم له لا يدل على إمكان ذلك سبحانه عن ذلك علوًّا كبيرًا (¬1).
{وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} قدَّم المفْعُول لأجْلِ الاختصاص؛ أي: لا يظلمون بذلك إلا أنفسهم.
[22/ب] / يقول الله جل وعلا: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)} [الأعراف: آية 161].
¬_________
(¬1) راجع ما سبق عند تفسير الآية (75) من سورة البقرة.