كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
واذكر يا نبي الله خسائس هؤلاء اليهود العريقة في أسلافهم؛ ليُعلم بذلك أن تكذيبهم لك وإنكارهم لما عندهم من صفاتك أنه أمر أصله فيهم وفي أسلافهم. واذكر {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ} حين قال لهم الله على ألسنة أنبيائه {اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ} قوله: {اسْكُنُواْ} أمر من السكنى لا من السكون الذي هو ضد الحركة؛ لأن الأمر بالسكون الذي هو ضد الحركة سجن وحبس، فهو أمر بالسُكنى، وأن يتخذ ذلك البلد مسكنًا، وكون البلد مسكنًا له لا ينافي أن يتجول في أنحائه ويتنعم فيها، كما قال هنا بعد الأمر بقوله: {اسْكُنُواْ} {وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ} هذا معنى قوله: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ}.
وأكثر المفسرين على أن هذه القرية هي بيت المقدس. وبعض المفسرين يقول: هي أريحا. وبعضهم يقول غير ذلك، فهي قرية في فلسطين من قرى الشام (¬1)؛ لأن الشام كان يطلق أولاً على ما يضم دمشق وفلسطين والأردن وغير ذلك من نواحيه، وهذا معنى قوله: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ} القرية: هي المحل الذي يجتمع فيه السكان، من: قريتَ الماء في الحوض: إذا جمعته.
{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا} أي: كلوا من ثمارها وحبوبها وزروعها حيث شئتم؛ لأنهم كانوا في التِّيهِ يَتَمَنَّوْن الأكْلَ من ذلك كما قدمنا في سورة البقرة في الكلام على قوله: {فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} وقد قال لهم: {اهْبِطُواْ مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ} [البقرة:
¬_________
(¬1) راجع ما سبق عند تفسير الآية (58) من سورة البقرة.