كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
لا نَقْصَ فِيهِ ولا وصم. وإحسان العمل لا يمكن إلا بمراقبة خالق هذا الكون (جل وعلا).
وقد قَدَّمْنَا فِي هَذِهِ الدروس مرارًا (¬1) أن العلماء أجمعوا على أنه لم ينزل الله واعظًا من السماء إلى الأرض ولا زاجرًا أكْبَر مِنْ وَاعِظِ المُرَاقَبَة المُعَبَّر عنه هنا بالإحسان، وقد ضرب العلماء لهذا مثلاً قالوا: لو فرضنا أن في هذا البراح من الأرض ملكًا عظيم البطش، شديد النكال، وسيَّافه قائم على رأسه، والنطع مبسوط، والسيف يقطر منه الدم -ولله المثل الأعلى- وهذا الملك الذي هذا بطشه وشدته ينظر، أترى أن أحدًا من الحاضرين يهتم بريبة مع بناته أو زوجاته أو نسائه؟! لا، كلهم خاشع الطرف، ساكن الجوارح، أمنيته السلامة -ولله المثل الأعلى- فرب العالمين أعظم اطلاعًا وأشد بطشًا، وحِمَاه في أرضه محارمه، فمن لاحظ أن رب السماوات والأرض مطلع عليه، وأنه يرى كل ما يفعل إن كان عاقلاً لا بد أن يُحاسِب.
ولو علم أهل بلد أن أمير ذلك البلد بات مطلعًا على كل ما يفعلون من القبائح والخسائس لكفوا عن كل ما لا ينبغي، ولم يرتكبوا إلا ما يجمل -ولله المثل الأعلى- فكيف بخالق السماوات والأرض الذي يعلم خطرات القلوب، وكيف يجهل خطرات القلوب خالق خطرات القلوب؟ {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} [الملك: آية 14] {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)} [ق: آية 16] معناه: أن المحسنين الذين يراقبون
¬_________
(¬1) السابق.