كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

الله ويعبدونه كأنهم يرونه أن الله يزيدهم على هذه المراقبة وهذه النية وهذا الإحسان لِلْعَمَلِ يزيدهم أجرًا على أجرهم، وقد جاءت آية في سورة يونس تدل على أن إحسان العمل يزيد الله صاحبه النظر إلى وجهه الكريم كما يأتي في تفسير قوله: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: آية 26] فقد جاء في الصحيح أن المراد بالحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله الكريم (¬1). وبذلك فسر بعض العلماء قوله تعالى في (ق): {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)} [ق: آية 35] ومعنى الآية: أن المحسنين الذين يراقبون الله عند الأعمال ويعبدونه كأنهم يرونه يزيدهم أجرًا، ولا مانع من أن يكون مما يزيدهم: النظر إلى وَجْهِهِ الكريم كما فُسِّرَتْ بِهِ آية يونس المذكورة آنفًا. وهذا معنى قوله: {سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: آية 161].
وقوله: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ} [الأعراف: آية 162] لم يقل: فبدلوا. وعدل عن الضمير إلى الظاهر ليسجل عليهم ظلمهم وينيط ما نزل عليهم باسم الظلم الذي ارتكبوا. وقد قدمنا في هذه الدروس مرارًا (¬2) أن الظلم في لغة العرب التي نزل بها هذا القرآن العظيم هو وضع الشيء في غير محله، فكُلّ مَنْ وضَعَ شَيْئًا في غير موضعه فقد ظلم في لغة العرب، وهذا معروف في كلامهم، ومنه قالوا للذي يضرب لبنه قبل أن يروب قالوا: هو ظالم؛ لأنه وضع ضرب اللبن في غير موضعه؛ لأن ضَرْبَه قبل أن يروب يفسد زبده فهو ظلم؛ لأنه وضع للضرب في غير موضعه، وفي لُغَز الحريري في مقاماته: «هل
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (103) من سورة الأنعام.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (51) من سورة البقرة.

الصفحة 267