كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
هذا معروف في كلام العرب، وإذا عرفتم أن الظلم في لغة العرب معناه: وضع الشيء في غير موضعه فاعلموا أن أعظم أنواع وضع الشيء في غير موضعه: وضع العبادة في غير من خلق، فمَنْ أكَلَ رِزْقَ اللهِ الذي خلقَهُ ورزقه وعبد غيره فقد وَضَعَ العبادة في غير موضعها فهو ظالم، ولذا كثر في القرآن إطلاق الظلم على الشرك بالله، كما قال تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: آية 254] وقال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: آية 13] وقال تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (106)} [يونس: آية 106] وقد ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [الأنعام: آية 82] قال: بشرك. ثم تلا قوله تعالى عن لقمان الحكيم: {يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (¬1) [لقمان: آية 13] فوضع العبادة في غير مَنْ خَلَقَ هو أكبر أنواع الظلم. وكذلك وضع الطاعة في غير موضعها، كالذين يعصون الله ويطيعون الشيطان وذُرِّيَّتَهُ فقد وضعوا الطاعة في غير موضعها حيث أطاعوا عدوهم إبليس {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف: آية50]. وقد عصوا الله فوضعوا المعصية في غير موضعها، والطاعة في غير موضعها. ومن هنا كان الظلم ظلمان: ظلم بالكفر المخرج عن الإسلام، وظلم دون ظلم، وهو ظلم النفس بارتكاب المعاصي؛ لأن كلاً منهما وضع الشيء في غير موضعه، وقد جاء في موضع واحد من القرآن في سورة الكهف وضع الظلم بمعنى النقصان، وهو قوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ
¬_________
(¬1) السابق.