كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
قصة هذه القرية كان يخفيها اليهود لأنها سُبة عليهم، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم لهم بها وسؤالهم عنها مع أنه نبي أمي من معجزاته وأدلة نبوته؛ لأنه ما علمها إلا عن طريق الوحي.
وسنذكرها ملخصة موجزة ثم نذكرها مفصلة في الآيات التي شَرَحَتْها. وقد ألممنا بهذه القصة في هذه الدروس في سورة البقرة (¬1) في الكلام على قوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)} [البقرة: آية 65] فآيات سورة الأعراف هنا بسط وشرح لقوله في البقرة: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)}.
هذه القرية يزعم المفسرون -أغلبهم وأكثرهم- أنها قرية تسمى (أيلة) قريب من العقبة، على ذلك الشاطئ، بين الطور ومدين، وأنها في زمن داود (عليه السلام) كان محرم عليهم الاصطياد في السبت كما تقدم في قوله: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [المائدة: آية 78] وكان يشتد قرمهم إلى لحم السمك -والقَرَمُ بفتحتين: شهوة اللحم- وكان الله افتتنهم فتنة، كان إذا كان يوم السبت جاءهم السمك على وجه البحر أفواجًا أفواجًا كالكباش البيض حتى يتمكن كل إنسان من أخذ ما شاء منه في أحسن حال وأسمنها، فإذا غربت شمس يوم السبت تمنَّع في البحر فلا يقدرون على شيء منه!! وهذا ابتلاء وامتحان لهم، فمكثوا من الزمن بهذا ما شاء الله، ثم بعد ذلك اشتدت شهوتهم إلى اللحم فصاروا يحتالون على السمك يوم الجمعة -مثلاً- فيحفرون فَيُجْرُون
¬_________
(¬1) راجع ما سبق عند تفسير الآية (47) من سورة البقرة.