كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

في الماء أخاديد يسيل فيها الماء، فإذا انتهت حفروا حُفرًا عميقة، فإذا جاء الحوت مع تلك الأخاديد المائية نزل في الحفر فلا يَقْدِر على الرجوع فأخذوه يوم [الأحد]!! (¬1) وكان بعضهم -فيما يقولون- يجعل في ذنب الحوت خيطًا ويدُقّ وتدًا على الشَّاطِئِ، ويمسك رأس الخيط فيه، فيبقى الحوت في الماء ممسكًا بالخيط، فإذا غَرَبَتِ شَمْسُ يَوْمِ السبت جاء وأخذه، فلمَّا فعلوا هذه الحيل ولم يعاجلهم العذاب كأنهم تجرءوا وتشجعوا وقالوا: لعل حرمة صيد السمك رفعها الله؛ لأنه لم يفعل بنا بأسًا، فلم يزالوا يتدرجون في الحيل حتى صار بعضهم يصطاده علنًا ويملحونه ويبيعونه في الأسواق، وكانوا ثلاث طوائف:
طائفة باشرت العدوان يوم السبت واصطياد السمك، وطائفة نهتهم عنه وقالوا: {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: آية 164] وطائفة قالوا للذين نهتهم: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا}، والله بيّن أن الذين اعتدوا في السبت عَذَّبَهُمْ عَذَابًا بئيسًا وهو مسخهم قِرَدَة، وقيل: بعضهم خنازير، كما يأتي تفصيله، كما ذكره في قوله: {فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)} [الأعراف: آية 166] وفي قوله: {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [الأعراف: آية 165].
والطائفة الذين نهت أنجاهم الله كما ذكره بقوله: {أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [الأعراف: آية 165] وبقيت الطائفة التي قالت: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ} فبعض العلماء يقول: هم مع الهالكين،
¬_________
(¬1) في الأصل: «السبت» وهو سبق لسان.

الصفحة 272