كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
والمحققون يقولون: هم ناجون؛ لأنهم كرهوا ما هم عليه وخالفوهم وقالوا لقومهم: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} [الأعراف: آية 164] وذكروا عن عكرمة أنه كان يقول: إن ابن عباس ما كان يدري هل نجوا أو هلكوا حتى أقنعه عكرمة بأنهم نجوا فكساه حُلَّة (¬1). ومن أظهر الأدلة في أنهم نجوا قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً} [البقرة: آية 65] فرتب بالفاء قوله: {قِرَدَةً} لخصوص الذين اعتدوا، وهؤلاء لم يعتدوا بل إنما لم يُذكر عنهم أنهم نهوا. ولما كانوا يفعلون هذا، وصاروا يصطادون السمك علنًا، ونهاهم قومهم قال لهم قومهم: والله لا نساكنكم؛ لأنا نخاف أن ينالنا العذاب الذي سينزل عليكم. فيذكر المفسرون في قصتهم أنهم قسموا القرية، ويزعمون أن الذين اصطادوا قُربًا من سبعين ألفًا، وأن الذين نهوا قُربًا من اثني عشر ألفًا، والله أعلم. فهي إسرائيليات لم يثبت فيها شيء. قالوا: فجعلوا بينهم حائطًا، وقسموا القرية بينهم نصفين، لكل منهم مدخل ومخرج غير مدخل الثاني ومخرجه، فمكثوا على ذلك ما شاء الله، ثم لما كان ذات يوم فإذا قرية المعتدين لم يفتح بابها، ولم يخرج منها أحد، فتسوروا عليهم الحائط فوجدوهم -والعياذ بالله- مُسخوا قردة.
يذكر المفسرون أن الواحد من القردة يعرف نسيبه من
¬_________
(¬1) أخرحه ابن جرير (13/ 187، 188، 193)، وأورده السيوطي في الدر (3/ 138) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر. وقد جاء في هذا المعنى رواية أخرى أخرجها عبد الرزاق (12/ 242)، وابن جرير (13/ 189 - 190)، وذكره السيوطي في الدر (3/ 137) وعزاها لعبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في السنن.