كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
لَيَبْلوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشيء مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)} [المائدة: آية 94] فثبتوا ولم تزعزعهم عواصف الطمع، وكذلك ابتلاهم بالخوف لما سافر النبي صلى الله عليه وسلم سفره في غزوة بدر الكبرى كما سيأتي تفاصيله في سورة الأنفال -إن شاء الله تعالى- وقد خرج لأجل عير في ثلاثمائة رجل وثلاثة عشر رجلاً يريدون عيرًا ليأخذوها، فجاءهم جيش عرمرم، نفير مسلح، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بالجيش وذكر أمرهم لقومه -وهو أمر مخيف؛ لأنه جيش عظيم في عَدَدِه وعُدَدِه وهم قليلون كما قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: آية 123] هم قليل عَددهم وعُددهم بالنسبة إلى عدوهم فلما عرض ذلك عليهم- قال له المقداد بن عمرو المعروف بالمقداد بن الأسود من بني بهراء من قبائل اليمن، حليف قريش، قال له: والله لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا من دُونَهُ معك، ولو خضت بنا البحر لخضناه، ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى فلما أعاد الكلام قال له سعد بن معاذ (رضي الله عنه وأرضاه): كأنك تعنينا معشر الأنصار؟ قال: نعم. لأن الأنصار اشترطوا عليه ليلة العقبة أنهم يحمونه مما يحمون منه أبناءهم ونساءهم في نفس المدينة، ولم يشترطوا له الخارج عن بلادهم، فكان صلى الله عليه وسلم يتخوف ألا يكونوا معه في الخارج عن ديارهم، فلما قال له سعد بن معاذ (رضي الله عنه): كأنك تعنينا معشر الأنصار؟ قال له: نعم. قال كلامه المعروف المشهور في المغازي والتاريخ -العظيم الدال على عظيم الثبات- الذي يقول فيه: والله إنا لقوم صُبُرٌ في الحرب، صُدَّقٌ عند اللقاء، ووالله ما نكره أن تلقى بنا عدوك حتى ترى منا ما يقر عينك، والله لقد تخلف عنك