كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
مُهْلِكُهُمْ} الميم في قوله: {لِمَ تَعِظُونَ} هي ما الاستفهامية. والمقرر في علم العربية أنّ ما الاستفهامية إذا جُرَّت حُذف ألفها كما هو معروف، والمعنى: لأي موجب تعظون؟ (تعظون) مصدر وعظه يعظه إذا كلّمه كلامًا يلين له قلبه لينتهي عما لا يرضي الله. {لِمَ تَعِظُونَ} لأي موجب وأي حكمة تعظون قومًا متمرِّدين مُتَمَادِين على العصيان وعدم الانكفاف {اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ} إهلاك استئصال {أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} لجراءتهم عليه وانتهاكهم حرماته.
وهذه الطائفة قال بعض العلماء: هي أشد الذين نَهوا، وإنما قالت: {لِمَ تَعِظُونَ} لأنها جرّبت وعظهم وعلمت أنهم لا فائدة فيهم ولا ينزعون ولا يُقْلعون. وقال بعض العلماء: هذه الطائفة الثالثة التي لم تباشر الاعتداء في السبت ولم تنهَ الذين اعتدوا في السبت. وقد ذكرنا أنّ العلماء اختفلوا فيها، وأنّ أظهر القولين: أنها نجت كما أقنع به عكرمة ابن عباس (رضي الله عنه)، وكما يدل عليه ترتيبه بالفاء في قوله: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً} [البقرة آية 65] في سورة البقرة على خصوص الاعتداء في السبت خاصة في قوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً} فرتب قوله: {كُونُواْ قِرَدَةً} على خصوص الاعتداء في السبت. وهذا معنى قوله: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ} إهلاكًا مستئصلاً {أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} نعتذر بموعظتنا إياهم معذرة إلى ربكم. أو وَعظناهم لأجل المعذرة عند ربكم {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} ولرجائنا أيضًا أن تؤثر فيهم الموعظة فيتقوا الله ويكفوا عن ما هم مصرون عليه من ارتكاب هذا الذنب العظيم الذي هو صيد السمك يوم السبت.