كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وهذه الآية الكريمة جاء فيها بيان حكمتين من حِكَم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن استقراء القرآن دل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له حِكَمٌ ثلاث تضمنت هذه الآية من سورة الأعراف من تلك الحكم الثلاث اثنتين، أمّا الحِكَم الثلاث (¬1):
فالأُولى منها: أن يقيم الإنسان عذره أمام ربه، ويخرج بذلك الأمر من عهدة التقصير في الأمر بالمعروف؛ لئلا يدخل في قوله: {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79)} [المائدة: آية 79] وهذه الحكمة أشاروا لها بقوله: {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ}.
الحكمة الثانية: هي رجاء انتفاع المذكر، كما قال هنا عنهم: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} وذكر الله هذه الحكمة في قوله: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)} [الذاريات: آية 55].
الحكمة الثالثة من حِكَم الأمر بالمعروف التي لم تذكر في هذه الآية الكريمة: هي إقامة الحجة لله على خَلْقِهِ في أرْضِهِ نيابةً عن رسله؛ لأن الله يقول: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: آية 165] فأهل العلم يقيمون حجة الله على خلقه بإقامة الحجة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نيابةً عن الرسل في ذلك، وهذا معنى قوله: {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: آية 164].
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ} [الأعراف: آية 165] يعني فترك المأمورون الموعوظون تركوا أمر الله ولم يلتفتوا إلى ذلك التذكير؛
¬_________
(¬1) انظر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (أصوله، وضوابطه، وآدابه) ص68، 348.

الصفحة 281