كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
ولذا قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ} اعلموا أن النسيان يطلق في القرآن العظيم إطلاقين (¬1):
أحدهما: نسيان الشيء بأن ينساهُ الناسي ويزول علمه منه فيكون ناسيًا له غير ذاكر.
والثاني: يطلق النسيان على ترك العمل عمدًا وهو المقصود هنا، منه قوله تعالى: {نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: آية 67] أي: تركوه فتركهم؛ لأن الله لا ينسى، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: آية 64] {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى (52)} [طه: آية 52] فالنسيان هنا معناه الترك عمدًا، وهو أسلوبٌ عربي معروف، تقول العرب: نسي الأمر وتناساه: إذا صَدَّ عنه وأَعْرَضَ وتَرَكَهُ عَمْدًا. ومنه على أصح التفسيرين قوله عن آدم: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ} [طه: آية 115] أي: ترك ذلك الأمر لما قاسمه الشيطان، كما تقدّم إيضاحه، وهذا معنى قوله: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} المراد بالسوء هنا هو معصية الله (جل وعلا) وانتهاك حرمته باصطياد السمك في السبت، وكل معصية من معاصي الله فهي من السوء؛ لأنها تسوء صاحبها إذا نظرها في صحيفته يوم القيامة.
{وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي: ارتكبوا الجريمة وعصوا الله واصطادوا السمك في السبت.
{بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} في هذا الحرف أربع قراءات سَبْعِيَّات (¬2): قرأ
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (41) من سورة الأنعام.
(¬2) انظر: المبسوط لابن مهران ص216، حجة القراءات ص300، الدر المصون (5/ 496).