كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

والقردة: جمع قرد، والقرد هو الحيوان المعروف الذي يعرفه كل الناس.
وقوله: {خَاسِئِينَ} جمع تصحيح للخاسئ، والخاسئ في لغة العرب معناه: الحقير الذَّليل الخسيس؛ ولذا كانت (اخْسَأ) خطابًا للكلاب، كما قال تعالى لأهل النار مخاطبًا لهم بالخطاب الذي يؤذن بالخِسَّة والصغار: {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ (108)} [المؤمنون: آية 108].
ومعلوم أن الله إذا قال لهم: {كُونُواْ قِرَدَةً} لا بد أن يكونوا قردة؛ لأنه يقول: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشيء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (40)} [النحل: آية 40] {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شيئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس: آية 82] يذكرون في قصتهم (¬1) أنّ المعتدين في السبت لمّا تمادوا في عتوهم وظلمهم ولم يسمعوا نصيحة قومهم خاف قومهم من البلاء والهلاك الذي سينزل بهم فقسموا القرية بينهم، وجعلوا بينهم حائطًا، وصار لهؤلاء باب ولهؤلاء باب، فبينما هم ذات يوم إذ أصبحوا والمعتدون لم يخرج منهم أحد، وبابهم مقفول، فتسوروا الحائط عليهم فوجدوهم -والعياذ بالله- قردة، فلما فتحوا الباب ودخلوا عليهم يذكرون في القصة أن القردة تعرف أنسابها من الإنس، والإنس لا يعرفون أنسابهم من القردة، وأن القردة تأتي إلى أنسابها فتشمها وتبكي، وأنهم يقولون لهم: ألم ننهكم عن انتهاك حرمات الله؟ فيشيرون برؤوسهم أن نعم، والعياذ بالله تعالى.
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (13/ 188 - 198)، ابن كثير (1/ 106)، (2/ 258).

الصفحة 286