كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

واعلموا أنّ العلماء اختلفوا في الممسوخين هل يمكن أن يكون لهم نسل وعقب (¬1)؟ اختلف العلماء في هذا، فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا مانع من أن يكون الممسوخون لهم نسلٌ وأعقاب، وأن يكون بعض الحيوانات من نسلهم. وممّن انتصر لهذا القول: ابن العربي المالكي.
واستدل أهل هذا القول ببعض الأحاديث الثابتة في الصحيح، منها حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما (رحمهما الله) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ يُدْرَى مَا فَعَلَتْ». وفي رواية: «ولاَ أُرَى إِلاَّ أنَّهَا الفَأْرُ، أَلاَ تَرَوْنَ أَنَّهَا إِذَا وُضِعَتْ لهَا أَلْبَانُ الإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْ، وَإِذَا وُضِعَتْ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْ» (¬2) هذا حديث متفق عليه من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن أمة من بني إسرائيل فُقدت، وأنه يظن أنَّهَا الفأر. والفأر هو الحيوان المعروف. واستدل على ذلك بأن أصل الإسرائيليين لا يشربون ألبان الإبل، ولا يأكلون لحومها، كما قدّمنا إيضاحه في سورة آل عمران في تفسير قوله: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} [آل عمران: آية 93] فقد ذكرنا سابقًا في تفسير هذه الآية أن المفسرين يقولون: إن نبي الله يعقوب -وهو إسرائيل- أصابه
¬_________
(¬1) انظر: تفسير القرطبي (1/ 440 - 443).
(¬2) البخاري في بدء الخلق، باب: خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، حديث رقم (3305)، (6/ 350)، ومسلم في الزهد، باب: في الفأر وأنه مسخ، حديث رقم (2997)، (4/ 2294)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

الصفحة 287