كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

مرض عرق النَّسَا فنذر لله إن شفاه الله ليتركن لله أحب الطعام والشراب إليه، فكان أحب الطعام إليه لحوم الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها، فحرمهما على نفسه. ويقولون: إن هذا النوع من النذر كان جائزًا في شرعه، وأن اليهود صارت لا تشرب ألبان الإبل ولا تأكل لحومها. وأن الفأر لا يشرب لبن الإبل ولكنه يشرب لبن الشاء، أي: الغنم!! فكان النبي صلى الله عليه وسلم ظن أنه مُسخ. وعلى أن الفأر مَسْخٌ فالفأر يتناسل.
ومما استدل به أهل هذا القول: ما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بِضَب فأبَى أنْ يَأْكُلَهُ وقال: «لَعَلَّهُ مِنَ القُرُونِ الأولَى الَّتِي مُسِخَتْ» (¬1) وهذا الحديث الذي رواه مسلم عن جابر روى مسلم أيضًا نحوه عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنهم) (¬2). فهذا الحديث المتفق عليه، وحديث مسلم هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم جوّز فيه أن يتناسل الممسوخ.
وذهب آخرون من العلماء إلى أن الممسوخ لا يعيش فوق ثلاثة أيام، ولا يشرب ولا يأكل، ولا يكون له نسل ولا عقب. واستدل أهل هذا القول بما أخرجه مسلم في صحيحه من رواية عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللهَ لمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلاً وَلاَ عَقِبًا» (¬3) هذا لفظ النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث
¬_________
(¬1) مسلم في الصيد والذبائح، باب إباحة الضب، حديث رقم (1949)، (3/ 1545)، من حديث جابر (رضي الله عنه).
(¬2) مسلم في الصيد والذبائح، باب إباحة الضب، حديث رقم (1951)، (3/ 1546)، من حديث أبي سعيد (رضي الله عنه).
(¬3) مسلم في القدر، باب: بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر، حديث رقم (2663)، (4/ 2050).

الصفحة 288