كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
(تأذن) تفعَّل من الأذان، والأذان في لغة العرب: الإعلام، ومنه أذان الصلاة؛ لأنه الإعلام بدخول وقتها مع الدعاء لها، وقد قال تعالى: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} [التوبة: آية 3] والعرب تقول: آذنني: أعلمني. ومنه قول الحارث بن حِلِّزَة اليشكري (¬1):
آذَنَتْنَا بِبَيْنِها أسماءُ ... ربَّ ثاوٍ يُمَلُّ منه الثواءُ
فتأذن معناه تَفَعَّل من الأذان بمعنى الإعلام، أي: أعلم الله الخلق. وقال بعض العلماء (¬2): (تأذن) بناء هذا الفعل على (تفعّل) يجعله كأفعال القسم. ولذا جاء اللام في قوله: {لَيَبْعَثَنَّ} معناه أعلم الله جل وعلا. وهذا الإعلام في معنى القسم، أو كأنه مؤكد بالقسم بدليل اللام في قوله: {لَيَبْعَثَنَّ}.
{لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ} أي: ليسلطن عليهم، أي: اليهود {مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} يسومهم معناه: يُذيقهم سوء العذاب. العرب تقول: سامه العذاب: إذا أذاقَهُ إِيَّاهُ وعَذَّبَهُ به، وهو معنىً معروف في كلام العرب، ومنه قول عمرو بن كلثوم في معلَّقَتِه (¬3):
إذا مَا المَلْكُ سَامَ الناسَ خَسْفًا ... أبيْنا أن نُقِرَّ الذُّلَّ فينَا
{إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} يوم القيامة إنما سُمي يوم القيامة؛ لأن الناس يقومون فيه لخالق السماوات والأرض، كما قال جل وعلا: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)} [المطففين: آية 6] وقيل له (القيامة) كما قيل
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (128) من سورة الأنعام.
(¬2) انظر: الدر المصون (5/ 500 - 501).
(¬3) تقدم هذا الشاهد عند تفسير الآية (49) من سورة البقرة.