كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

الحِيَازَة والصِيَانَة وغير ذلك من الحَوز والصَّون، وهذا معنى قوله: {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف: آية 167].
وهذه الآية الكريمة من سورة الأعراف فيها التنصيص الصريح مِنْ رَبِّ العالمين أنه يُسلّط على اليهود في دار الدنيا حتى تقوم الساعة من يذيقهم سوء العذاب، ويعذبهم أشد التعذيب وأتمّه، وهذا قد بيّنا بعضه مرارًا؛ لأن الله سلّط عليهم سابقًا بختنصر وأهانهم تلك الإهانة الشديدة، وملك الرومان، وسلّط عليهم نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لما كفروا وتمردوا، فأجلى بني النضير وبني قينقاع، وذبح مقاتلة بني قريظة، وأجلى خيبر، وربنا يقول: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [الإسراء: آية 8] وقد بيّنا في سورة بني إسرائيل (¬1) طرفًا من هذا؛ لأن الله يقول: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ} [الإسراء: الآيتان 4، 5] يعني: أنهم يجوسون -يمشون- في الأزقة خلال ديارهم محتليها يهينونهم ويعذبونهم، ثم قال في الثانية: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا} [الإسراء: آية 7] المفسرون والمؤرخون يقولون (¬2): إن إحدى المرتين تسليط بختنصر عليهم، والثانية: تسليط ملك الرومان، وأن كلاًّ منهما قتلهم
¬_________
(¬1) ولا يرد عليه أن سورة بني إسرائيل تأتي بعد سورة الأعراف وبينهما سور متعددة؛ لأن الشيخ (رحمه الله) فسر القرآن كاملاً في المسجد النبوي قبل ذلك. وهذه الدروس التي وقفنا عليها هي من تفسيره في المرة الثانية.
(¬2) انظر: تفسير ابن كثير (3/ 25)، البداية والنهاية (2/ 34).

الصفحة 291