كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)
وسبى نساءهم وذراريهم.
والله بعد ذلك قال: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [الإسراء: آية 8] فعادوا لأكبر الفساد والمنكر زمان النبي صلى الله عليه وسلم فعاد الله لقهرهم وإذلالهم بأن سلّط عليهم رسوله ومَنَعَ إقامتهم في جزيرة العرب، فكان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إذا جاء منهم تاجر أجَّل له ثلاثة أيام يبيع ويشتري ثم يخرج، ولا يرضى بجلوسهم في جزيرة العرب.
وفي هذه الآية من سورة الأعراف تأذن الله وأعلم أنه سلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب، إلا أنهم يَرُدّ اللهُ لهُمُ الكَرَّةَ حتى يجتمعوا ويكونوا أمَّة؛ لأنهم لو بقوا مقطعين في الأرض لن تقوم لهم قائمة -كما قال: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا} [الأعراف: آية 168]- ولم يكن العذاب والهلاك، ولم يجد موقعًا يقع عليه، فصار من عادة الله أن يَردّ لهم الكَرَّةَ ويجعلهم أمة حتى يكونوا أمة فيسلّط عليهم من يعذبهم ليكون العذاب واقعًا موقعه، والله (جلّ وعلا) أصدق من يقول، وهذا معنى قوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}.
{إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ} السرعة ضد البطء؛ لأنه سريع العقاب؛ لأنه يقول للشيء: (كن) فيكون، وما أمره إلا واحدة كلمح بالبصر. والعقاب: هو التنكيل بسبب الذنب؛ لأنه يأتي عقب الذنب، والعرب تقول: «عَاقَبَه معاقبة وعقابًا» إذا نكَّلَه بسبب ذنب ارتكبه، وهو معنىً مشهور في كلامهم، ومنه قول نابغة ذبيان (¬1):
وَمَنْ عصاكَ فَعَاقبهُ مُعَاقَبَةً ... تَنهى الظَّلُومَ ولا تَقْعُدْ عَلَى ضَمَدِ
¬_________
(¬1) ديوان النابغة ص13.