كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

مخلوقة وإرادة مخلوقة كلتاهما خلقها الله بقدرته وإرادته، فربنا يصرف إراداتنا ومشيئاتنا وقُدرنا إلى ما سبق به علمه الأزلي فنأتيه طائعين. نرجو الله (جل وعلا) أن يوفقنا إلى ما يرضيه منّا، ولا يصرف قلوبنا إلا لما يرضيه. وهذا معنى قوله: {وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} [الأعراف: آية 100].
اعلموا أن السمع في القرآن وفي اللغة يُطلق إطلاقين: يُطلق السمع على ما سمعه الإنسان وسَمِعَتْهُ أُذُنُه فوَعَاهُ قَلْبُهُ. ويُطلق السمع على القبول والاستجابة، ومن إطلاق السمع على القبول والاستجابة: قوله في الصلاة: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» أي: لمن أطاعه فاستجاب له. فالعرب تقول: سمعًا وطاعة. أي: إجابة وقبولاً، ومنه هذه الآية. فقوله: {فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} السمع المنفي هنا هو سمع الطاعة والقبول. أي: إن الله إذا طبع على القلوب فالأسماع تسمع ولكن ذلك السمع لا ينشأ منه طاعة ولا قبول، والله (جل وعلا) بين أنه إذا وقع على القلوب مثل هذا الطبع وما جرى مجراه أنهم لا يستطيعون أن يسمعُوا. ونفي الاستطاعة ذكره في آيات كقوله: {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} [هود: آية 20] فنفى عنهم استطاعة السمع.
وكقوله: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} [الكهف: آية 101] وقال (جل وعلا) في الفرقان: {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً} [الفرقان: آية 9] وهذه الاستطاعة نفيها إنما هو بحسب مشيئة الله من معاقبة الإنسان على ذنب، لأن هذه الآيات فيها سؤال معروف مشهور لطالب العلم أن يسأل عنه ويُجاب عنه، وهو أن يقول طالب العلم: إن الله في غاية الإنصاف والعدالة، فهو (جل وعلا) منصف عدل في

الصفحة 38