كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

[التوبة: الآيتان 124، 125] والآيات القرآنية كثيرة في هذا، ومن هنالك يُعلم أن الحسنات وطاعة الله أن الله يجعل ذلك سببًا لهدى عبده، كما أن السيئات والمبادرة إلى ما لا يرضيه تكون سببًا للرّين على القلوب والطبع عليها كما قال: {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: آية 14] وقال في الهدى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: آية 17] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: آية 69] وأمثال ذلك من الآيات.
قوله جل وعلا: {وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} [الأعراف: آية 100] قوله تعالى: {وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} هنا أن موضع هذا الطبع القلوب، والقلوب: جمع القلب، وهو عضو من الإنسان معروف على هيئة شكل حب الصنوبر وهو معروف، وكون الطبع محله على القلوب يبين أن مركز العقل هو القلب كما أشرنا له مرارًا (¬1)، وإنما بينّا هذا مرارًا لئلا تبقى الناس مصدّقة للكفرة الملاحدة الإفرنج، مكذّبة لله ولرسوله، فالقرآن العظيم في عشرات الآيات، والسنة النبوية في أحاديث صحيحة كلها مطبقة على أن مركز العقل هو قلب الإنسان لا دماغه؛ لأن الله يقول: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: آية 46] فصرح بأن العقل والإدراك بالقلوب لا بالأدمغة، ثم قال: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: آية 46] ولو كان الإدراك ليس في القلب الذي في الصدر لما كان له عمى ولا إبصار، ولم يقل الله يومًا ما: ولكن تعمى الأدمغة التي في الرؤوس، لم يقل هذا أبدًا، وإنما قال: {وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (75) من سورة البقرة.

الصفحة 40