كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

الصُّدُورِ} وقال جل وعلا: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} فبين أن الفِقه منفي عن محله الذي يفقه به وهو القلب، والآيات على هذا لا تكاد تحصيها في المصحف الكريم، أن العقل الذي به الإدراك محلّه في القلب، والآيات الدالة على هذا كثيرة، والأحاديث لا تكاد تحصيها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال: «إِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ» ثم فسرها صلوات الله وسلامه عليه قال: «أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ» (¬1). ولم يقل: «ألا وهي الدِّمَاغ».
هذا أمر معروف، ومعروف أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية طافحة بهذا، والغريب أنك ترى عامّة من ينسبون للإسلام يضربون بهذه النصوص الحائط ويزعمون كلهم بأن مركز العقل الدماغ!! ونحن نعلم أن الله هو الذي خلق العقل، وهو الذي وضعه في محله، ولا شك أن من خلقه وأبرزه من العدم إلى الوجود، ووضعه في محله أنه أعلم بمحله من الملاحدة الذين يبرهنون على ما يزعمون بفلسفات قد لا تكون مَبْنِيَّة على مقدمات يقينية، ولا ينبغي للمسلم أن يضرب بالقرآن عرض الحائط. فالآيات القرآنية لا تكاد في المصحف تحصيها دالة على أن العقل في القلب؛ لأنه دائمًا يذكر القلوب ويجعل الإثم مكانه القلب، والتقوى مكانه القلب فالله، يقول: {وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: آية 283] [ولم يقل:] (¬2) «إنه آثم دماغه» يومًا ما!! وقال جل وعلا: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} [الحج: آية 32] ولم يقل: «من
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (75) من سورة البقرة.
(¬2) في هذا الموضع انقطع التسجيل، وما بين المعقوفين [] زيادة تم بها المعنى.

الصفحة 41