كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وهذه الفكرة أن شعاعه يتصل بالدماغ، وأنه بين هذا وهذا، فمن قال في القلب فقد صدق، كما جاء به الوحي، ومن قال في الدماغ بهذا الاعتبار فقد صدق لاتصال نوره به. من قال هذا فقوله أهون، والمسألة على قوله أسهل؛ لأنها لا تستلزم تكذيب الله.
ومعلوم أن البحث في العقل بحث فلسفي معروف، وأن الفلاسفة بحثوا في العقول أكثر من مائة نوع من البحوث مختلفة، ومنها بحثهم في محل مركزه، وقدماء الفلاسفة كانوا يستدلون على أن مركز العقل الدماغ، ويستدلون بما إذا نُظر في الاصطلاح إذا هو شرطيّ مركب من شرطية متصلة لزومية، يظنون أنها لزوميّة وهي اتفاقية!! وإيضاح ذلك: أنهم بحسب
الاستقراء والتتبع وجدوا كل ما يؤثر على الدماغ من جميع المؤثرات يضر بالعقل، وهذا أمر مُشاهد لا نزاع فيه؛ لأن كل ما يضرّ بالدماغ يؤثر على العقل، فَزَعَمُوا مِنْ هُنَا أنَّ مَرْكَزَهُ الدماغ لتأثره بما يؤثر عليه، فقالوا: في الشرطية المتصلة المذكورة: لو لم يكن محله الدماغ لما تأثر بجميع المؤثرات على الدماغ، لكنه تأثر بها، ينتج: محله في الدماغ.
ومتأخروهم يزعمون أن عندهم آلات رصدوه بها حتى رأوا حركة الفكر أنها في الدماغ.
وعلى كل حال فهذه النظرات الفلسفية إنما يُنظر فيها إذا لم تخالف نصوص كتاب الله، ومقصودنا أن ننبهكم على أن لا تنجرفوا مع أقوال الكفرة، ضاربين بقول خالق السماوات والأرض الحائط، وأن لا تقبلوا إلا شيئًا يمكن ألا يكون مخالفًا لكتاب الله كما أشرنا إليه، وهذا معنى قوله: {وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} [الأعراف: آية 100].

الصفحة 43