كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

ثم إن الله قال: {تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا} [الأعراف: آية 101] الإشارة في قوله: {تِلْكَ} إشارة للقرى، ومعلوم أن (القرى) وما جرى مجراها أنه يعامل معاملة المؤنثة المجازية التأنيث. والقرى: جمع قرية على غير مثال، والقرى المشار إليها هي ما تقدم ذكرها في آيات سورة الأعراف الماضية؛ كقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب كما تقدم قصصهم مفصلاً (¬1).
{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا} بعضهم يقول: {تِلْكَ} مبتدأ، و {الْقُرَى} خبره، و {نَقُصُّ} جملة حالية، كقوله: {وَهَذَا بَعْلِي شيخًا} [هود: آية 72] على أن (هذا) مبتدأ، و (بعلي) خبره، و (شيخا) حال، ولهم فيه غير ذلك (¬2). وبعضهم يقول: إن (تلك) مبتدأ و (القرى) نعته. وهذا مبنيٌ على ما يقوله جماعة من النحويين أن أسماء الأجناس الجامدة أنها ربما نُعِت بها ووُصِفَ بها، وبه قال جماعة من علماء النحو كما هو معروف في محله.
وقوله: {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا} [الأعراف: آية 101] صيغة الجمع للتعظيم، ومعنى: {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا} نتلوا عليك أخبارها في هذا الكتاب العظيم. والأنباء: جمع النبأ وهو الخبر، وقد قَدَّمْنَا مرارًا (¬3) أن النبأ أخص من الخبر، فكل نبأ خبر وليس كل خبر نبأ؛ لأن النبأ لا يطلق إلا على الخبر الخاص، وهو الخبر الذي له خطب وشأن، كما قلنا: إنك لا تقول: جاءني اليوم نبأ عن حمار
¬_________
(¬1) انظر: الأضواء (2/ 328).
(¬2) انظر: الدر المصون (5/ 397).
(¬3) مضى عند تفسير الآية (89) من سورة الأنعام.

الصفحة 44