كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

الحجام؛ لأن حمار الحجام لا خطب له ولا شأن، فلا يطلق فيه النبأ، وإنما يطلق فيه الخبر. وإنما كانت هذه الأنباء عن هذه القرى أخبار لها خطب وشأن؛ لأنها دَلَّتْ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ الله، وعلى صبر أنبيائه، وعلى شدة بطشه وعدالته وإنصافه، وإهلاكه للظالمين، وأن فيها من التخويف للموجودين من عذاب الله وسخطه ما ينهاهم أن يقع منهم مثل ما وقع من الأوَّلِين، ولذا كان لها شأن وخطب؛ ولذا قال: {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا} [الأعراف: آية 101].
ثم قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} اللام مُوطئة لقسم محذوف، وقوله: {جَاءتْهُمْ} ضمير جماعة الذكور راجع إلى سكان القرى المعبّر عنهم بقوله: {تِلْكَ الْقُرَى} فأنث في قوله: {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا} نظرًا إلى لفظ القرى، وذكَّر في قوله: {وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ} نظرًا إلى سكانها.
وبعض العلماء يقول: القرى تطلق إطلاقين: تطلق على الأبنية، كما تطلق على السكان. وعلى هذا فلا إشكال.
{وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} قد قدمنا فيما مضى (¬1) أن البينات جمع بينة، وأن البينة هي الحجة القاطعة التي لا تترك في الحق لبسًا، ومنه (البينات في الشهادات)؛ لأنها شهادات قوم عدول لا تترك في الحق لبسًا، فالبينات: الحجج الواضحة البينة التي لا تترك في الحق لبسًا. ومعنى (البينات) هنا على التحقيق: المعجزات؛ لأن الله ما أرسل نبيًّا قط إلا ومعه معجزة تُقارب التحدِّي، يعجز عنها الخلق، فتثبت بها نبوته؛ لأن إثبات الله للمعجزات للرسل هي بمثابة قوله
¬_________
(¬1) مضى عند نفسير الآية (73) من سورة الأعراف.

الصفحة 45