كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

لهم: أنتم صادقون في خبركم عني. فهي تصديق من الله لهم؛ لأنه ما خرق لهم العادة وقت التحدي وجاء بهذا العلم الخارق الذي لا يقدر عليه غيره إلا ومعناه عنده: أنت صادق يا عبدي فيما تنقل عَنّي. فهو تصديق من الله، ولذا سُمِّيَ مُعْجِزَة؛ لأن المعجزة فعل خارق يحصل عند التحدي لا يقدر عليه البشر (¬1).
وقد ذكرنا فيما مضى في الكلام على قوله: {قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ} [الأعراف: آية 73] تصريف هذه الكلمة، وما جاء من أمثلتها في القرآن ببعض أمثلتها (¬2)، وكان ذلك الذي ذكرنا هنالك سقط منه قسم نسيانًا، وكنا نتحرى إن جاءت لها مناسبة أخرى أن نبيّن القسم الذي سقط من كلامنا سهوًا لئلا يضيع على بعض طلبة العلم الذين يسمعون هذه الدروس. ذكرنا فيما مضى أن (البينة) أنها صفة مشبهة من (بان يبين) فهو (بيّن) والأنثى (بينة) بمعنى: وضح. وأنها المعجزة الواضحة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح في الحديث الصحيح أن الله ما أرسل رسولاً إلا أتاه بمعجزة كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الأنْبِياءِ إِلا أُوتِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ القِيَامَةِ» (¬3). هذا حديث صحيح صرح فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن الله ما بعث نبيًّا قَطُّ إلا أعْطَاه ما آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ، أي: معجزة تفحم الناس وتلزمهم الحق كما هو واضح.
¬_________
(¬1) في هذا الموضوع راجع: كتاب مناهل العرفان للزرقاني، دراسة وتقويم (1/ 292 - 310).
(¬2) مضى عند تفسير الآية (55) من سورة الأنعام.
(¬3) مضى عند تفسير الآية (37) من سورة الأنعام.

الصفحة 46