كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

قوله: {بِالْبَيِّنَاتِ} أي: المعجزات.
وقوله: {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ} [الأعراف: آية 101] هذه الآية الكريمة فيها أوجه عديدة من التفسير، معروفة عند علماء التفسير (¬1)، لا يرجحون منها شيئًا، وأظهرها عندي واحد لدلالة القرينة القرآنية هنا عليه، وكثرة ما يدل عليه في القرآن، فمن هذه الأوجه المذكورة في تفسير هذه الآية: أن المعنى: {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} بعد الموت إذا بُعثوا وردوا {بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ} في دار الدنيا التي هي وقت الإيمان، وهذا الوجه قال به جماعة من العلماء، واستدلوا له بمطابقته لقوله جل وعلا: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: آية 28] ومن أوجه التفسير في هذه الآية: ما قاله بعض أهلِ العلم: {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} بعد مجيء الرسل بالمعجزات {بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ} قبل مجيء الرسل بالمعجزات، واستأنس أهل هذا القول بقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة: آية 6].
وقال بعض العلماء: هي لقوم لم يؤمنوا طوعًا ليلة أخذ الميثاق التي سيأتي الكلام موضحًا عليها -إن شاء الله- في قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} [الأعراف: آية 172] على أحد الوجهين: أن الله أخرجهم من أصلاب آبائهم في صفة الذر، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، وأن بعضهم شهد كرهًا لا طوعًا، وهو بطوعه ليس بمؤمن، قالوا: {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} [الأعراف: آية 101] بعد
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (13/ 7)، القرطبي (7/ 255)، الأضواء (2/ 328).

الصفحة 52