كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

مجيء الرسل بما كذبت أرواحهم ليلة طلب الإيمان منهم كالذر، وهذا قال به جماعة من أهل العلم، ولا يخلو من بُعد، إلى غير ذلك من أوجه التفسير في الآية. والذي يظهر لنا صوابه لدلالة القرينة هنا عليه، والآيات القرآنية عليه: هو أن معنى هذه الآية الكريمة من سورة الأعراف هو الذي قدمناه موضحًا في سورة الأنعام، وإيضاح ذلك: أن الله إذا أرسل الرسل إلى خلقه قام المُتَنَطِّعون الكفرة فبادروا إلى الكفر وتكذيب الرسل، والمبادرة إلى ذلك التكذيب يكون ذنبًا عظيمًا يمنعهم الله بسببه أن يؤمنوا بعد ذلك، فيزيغ قلوبهم ويطبع عليها ويختم، ويبعدهم عن الخير نتيجة لمسارعتهم إلى ذلك الشر.
وإنما قلنا: إن هذا الوجه هو أظهر الأوجه لدلالة القرآن عليه لأمرين:
أحدهما: القرينة المقترنة به هنا، وهو أنه قال: {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ} أي: لأن الله طبع على قلوبهم بسبب تكذيبهم السابق؛ ولذا قال بعده مقترنًا به: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ} [الأعراف: آية 101] كذلك الطبع الذي منعهم من أن يؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك الطبع يطبع الله على قلوب الكافرين، وقد صرح (جل وعلا) في آيات من كتابه أن هذا الطبع يقع بسبب كفر سابق كما قال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المنافقون: آية 3] فبين أن الطبع بسبب كفر سبقه. وكذلك قال: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [النساء: آية 155] ومن أوضح ما يوضح هذا المعنى آية الأنعام، وهي قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)} [الأنعام:

الصفحة 53