كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

آية 110] على أظهر التفسيرات، أي: نقلب أفئدتهم وأبصارهم بالطبع والختم والغشاوة عليها وإزاغتها عن الحق {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} كما أنهم سارعوا إلى الكفر أول مرة عاقبناهم بعدم الهدى -والعياذ بالله - كقوله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: آية 5]، {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة: آية 10] {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ (125)} [التوبة: آية 125] {وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} [الإسراء: آية 82] {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [المائدة: آية 64] وهذا معنى قوله: {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ} [الأعراف: آية 101] أي: كذلك الطبع الذي طبع الله على قلوب هؤلاء الأمم الذين كذبوا رسلهم يطبع الله على قلوب الكافرين طبعًا مانعًا لهم من الإيمان لتكذيبهم السابق ومبادرتهم إلى الكفر والعياذ بالله.
{وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)} [الأعراف: آية 102].
(ما): نافية. وصيغة الجمع في (وجدنا) للتعظيم، و (وجد) هنا علمية. والمعنى: {وَمَا وَجَدْنَا} ما علمنا. ومعلوم أن (وجد) في اللغة من أخوات (عَلِمَ) وهذا أظهر الأقول فيها هنا (¬1). {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم} أي: لأكثر الأمم السابقة. وقال بعض العلماء: لأكثر الخلق ما وجدنا لهم {مِّنْ عَهْدٍ} (مِنْ) دخلت على المفعول به، فالأصل: ما وجدنا لهم عهدًا. ولكن (من) إذا دخلت على النكرة في
¬_________
(¬1) انظر: الدر المصون (5/ 400).

الصفحة 54