كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وقوله: {فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ} المأمور بالضرب في قوله: {فَاضْرِبُواْ} أصله فيه وجهان معروفان (¬1):
أحدهما: أن المأمور به الملائكة، قال بعض العلماء: ما كان الملائكة يعرفون مَقَاتِلَ الضرب حتى علمهم الله ذلك يوم بدر فقال: {فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} وكون هذا الخطاب للملائكة (صلوات الله وسلامه عليهم) هو أظهر القولين؛ لأن ظاهر السياق يقتضيه؛ لأن هذا في الظاهر من جملة ما أوحي إلى الملائكة.
والقول الثاني: أن المأمور بقوله: {فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ} المسلمون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {فَوْقَ الأَعْنَاقِ} المراد بالفوقية هنا فيه أوجه معروفة للعلماء لا يكذب بعضها بعضًا (¬2): أما الذين قالوا: إن لفظة (فوق) زائدة، وأن المراد: فاضربوا الأعناق، واستدلوا بقوله: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: الآية 4] فهذا القول لا يجوز أن يقال به في القرآن؛ لأن لفظًا جاء في القرآن لا ينبغي لأحد أن يحكم عليه بأنه زائد لا معنى له.
وقال بعض العلماء: (فوق) هنا بمعنى (على) العرب تقول: ضربته على عنقه، وضربته فوق عنقه، وعلى هذا القول فمفعول الضرب محذوف، أي: فاضربوهم فوق الأعناق، أي: فاضربوهم على الرقاب، وهذا قول ليس ببعيد.
وقال بعض العلماء: المراد بما فوق الأعناق: الرؤوس؛ لأن
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 378).
(¬2) انظر: ابن جرير (13/ 429)، القرطبي (7/ 378).

الصفحة 550