كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

كلاَهُما كان رَئِيسًا بَيْئَسَا ... يضربَ في يوم الهياج القَونسَا
ومنه شعر العباس بن مرداس -المشهور- السلمي (¬1):
فَلَمْ أَرَ مثل الحي حيًّا مُصَبَّحًا ... ولا مثلنا يوم التقَيْنَا فوارسَا
أكرّ وأَحْمَى للحقيقةِ مِنْهُمُ ... وأضْرَب مِنَّا بالسُّيُوفِ القوانسَا

هذا قال به بعض العلماء، أن المراد بما فوق الأعناق: الرؤوس؛ لأن الرأس فوق العنق، أي: فاضربوا رؤوسهم وفَلِّقُوا هامهم. وأظهر الأقوال وأقربها للصواب ما قاله بعض العلماء: أن الله علّم الملائكة أو أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حز الرؤوس، وبين لهم مفصل الرأس الذي يُطير الرأس عن الجثة، وأنه فوق الأعناق؛ لأن الرقبة المحل الذي تركب منه في الرأس هو مفصل للحز إذا ضَرَبَه الإنسان طار الرأس بسرعة، وكان ذلك أهْوَن لإِبَانَةِ الرأس؛ ولذا كانت العرب تَفْتَخِرُ بِضَرْبِ القَمَاحِدِ، والقَمَاحِدُ جمع قُمْحُدَة وهو العَظْم الذي خلف الأذن؛ لأنه تحت عظم الرأس وفوق عظم الرقبة، وذلك وهو مفصل الرقبة وموضع حزها الذي يسهل به إطارة الرأس وإبانته عن الجثة كما هو معروف وَمِنْ هذا المعنى قَوْلُ الشاعر يمدح خالد بن الوليد رضي الله عنه (¬2):
رَأَيْتُ رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ كَثِيرَةً ... وَلَمْ أرَ في القوم القيام كَخَالِدِ
كَسَاكَ الوَلِيدُ بن المغيرة مَجْدَهُ ... وعلَّمَكَ الشَّيْخَانِ ضَرْبَ القَمَاحِدِ
والقَماحِد جمع القُمْحُدَة، وهي العظم الذي خلف الأذن؛ لأنه
¬_________
(¬1) مضى هذان البيتان عند تفسير الآية (117) من سورة الأنعام.
(¬2) البيت لحزن بن أبي وهب المخزومي. وهو في الإصابة (1/ 325) مع اختلاف يسير في لفظ صدر البيت الأول، وبين البيتين بيت آخر.

الصفحة 552