كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

نازل عن عظم الرأس، مرتفع عن عظم الرقبة، محلّه من جوانب الرقبة محل المذبح، تسهل منه إبانة الرأس وإطارته عن الجثة، وهذا معنى قوله: {فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: الآية 12].
قال بعض العلماء: واحد البنان بنانة. والتحقيق أن البنان أطراف الأصابع، كما هو معناه المشهور في كلام العرب، والعرب يعرفون ضرب البنان؛ لأن الرجل إذا ضرِبَ أطراف يده -أصابعِهِ- بالسيف لا يقدر أن يحمل سيفًا ولا رُمْحًا، فبَقِيَ لا بأْسَ فيه ولا نكاية عنده، من جاءه قدر على قتله، فالضرب الذي عُلِّمُوه على نوعين: إصابة المقاتل، وإصابة الشَّوَى، وهي الأطراف التي تمنع صاحبها من أن يفعل شيئًا، وكانت العرب تعرف هذا، ومنه قول عنترة بن شداد (¬1):
وكانَ فتى الهيجاءِ يَحْمي ذِمَارَهَا ... ويضربُ عند الكربِ كلَّ بَنَانِ

والعرب تسمي أطراف الأصابع: بنانًا، ومنه قول عنترة أيضًا (¬2):
وإِنَّ الموتَ طوعُ يدي إذا ما ... وصَلْتُ بنانها بالهندُواني

وما زعمه بعض علماء العربية من أن المراد بالبنان هنا يصدق بجميع المفاصل وبالوجه والعينين، هو خلاف التحقيق المعروف من اللغة؛ لأن المعروف في اللغة: أن البنان أطراف الأصابع، بعضهم يقول: أطراف أصابع اليد. وبعضهم يقول: تدخل فيه
¬_________
(¬1) البيت في القرطبي (7/ 379)، الدر المصون (5/ 580).
(¬2) ديوانه ص148.

الصفحة 553