كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

والله (جل وعلا) هو شديد العقاب وحده، ولا عقاب هو العقاب الشديد إِلا عقاب الله (جل وعلا)، فعلى المسلمين أن يحذروا عقاب الله، ولا يتعرَّضوا لسخط الله الموجب لعقابه؛ لأن الله لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد؛ لأن أعظم جبار من ملوك الدنيا ليس في وسعه من التعذيب والتنكيل إلا قدر ما يستوجب الموت مرة واحدة، فإن شدد التعذيب على المُعَذَّب إلى قدر يقتل صاحبه عادةً مات وانتهى ذلك العقاب، أما خالق السماوات والأرض شديد العقاب فإنه ينكل المذنب بآلاف التنكيل المستوجبة للموت وصاحبه لا يموت. فهذا هو العقاب الذي لا ينقطع ولا ينجي منه موت، فهو الذي يجب أن يُحذر ويُخاف منه، وتتجنب أسبابه في دار الدنيا وقت إمكان الفرصة، والله (جل وعلا) يقول: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم: الآية 17] ويقول تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ} [النساء: الآية 56] هذا هو العذاب الذي يُخشى، والعقاب الذي يجب على ( ... ) (¬1).
[3/أ] ( ... ) / لأن الأمر كله بيد الله؛ ولأجل فهم النبي صلى الله عليه وسلم لهذا كان يكثر في دعائه: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» (¬2).
اعلموا كُلاّ أيها الناس أن قلوبكم بيد خالقكم (جل وعلا) يُصرفها كيف شاء، يوفق من شاء، ويضل من شاء {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: الآية 88] وعلينا معاشر المسلمين أن نتفهم في هذه الآية، وأن نبتهل ونتضرع إلى ربنا أن يُثبتنا، وأن
¬_________
(¬1) في هذا الموضع انقطع التسجيل. وما بعده متعلق بتفسير الآية (24).
(¬2) مضى عند تفسير الآية (110) من سورة الأنعام.

الصفحة 556