كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

لا يزيغنا، وأن لا يُحوِّل قلوبنا إلا لما يرضيه (جل وعلا)؛ لأن هذه الآية يخافها العاقل جدًّا، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان قلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن (جل وعلا) يصرفه كيف يشاء (¬1). فيا مقلب القلوب، مثبت من شاء، ومضل من شاء، وهادي من شاء، ومضل من شاء؛ [ثبت قلوبنا على دينك] (¬2) ولذا أثنى (جل وعلا) على عباده الراسخين في العلم بأنهم يقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ} [آل عمران: الآية 7] إلى أن قال عنهم: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} [آل عمران: الآية 8].
ومعنى: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: الآية 24] إنما عبر بالقلب؛ لأن القلب محل العقل الذي به الإدراك، لا كما يقوله الملاحدة: إن محله الدماغ (¬3). يحول بينه وبين قلبه فيصرف قلبه حيث شاء، وكيف شاء، يصرفه من هُدى إلى ضلالة، ومن ضلالة إلى هدى، قال بعض العلماء (¬4): وكذلك يصرفه من أمنٍ إلى خوف، ومن خوف إلى أمن، كما نقل قلوب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الخوف إلى الأمن، وقلوب الكفرة من الأمن إلى الرعب والخوف الذي ألقاه في قلوبهم، والأول هو الصحيح في معنى الآية؛ لأن هذه الآية تدل على أن الأمور كلها بيد الله، وأنه يصرف القلوب كيف يشاء، فيهدي من يشاء هداه، ويضل من يريد إضلاله.
وما يزعمه المعتزلة من أن الله لا يريد الشر، وأن العبد يخلق
¬_________
(¬1) السابق.
(¬2) ما بين المعقوفين [] زيادة يقتضيها السياق.
(¬3) مضى عند تفسير الآية (75) من سورة البقرة.
(¬4) انظر: القرطبي (7/ 391).

الصفحة 557