كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

أن أكثر الخلق لا خير فيهم كقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ} [غافر: آية 59] {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة: آية 100] {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)} [يوسف: آية 103] {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (8)} [الشعراء: آية 8] {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71)} [الصافات: آية 71] إلى غير ذلك من الآيات.
وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن نصيب الجنة مِنَ الألْفِ وَاحِد، وأن نصيب النار من الألف تسع وتسعون وتسعمائة. ولما شق ذلك على أصحابه صلى الله عليه وسلم أخبرهم بكثرة الكفار، وأنه يمكن أن يكون من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم واحد، وهذا يدل على أن أكثر الخلق ضُلال (¬1) {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ} [الأنعام: آية 116] وأهل الهدى قلة، وهذا قضاء الله وقدره في الجميع. وهذا معنى قوله: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ} [لأعراف: آية 102].
هذه الآية فيها سؤال معروف: وهو أن يقال: إن أكثر الكفار لهم عهد، ولكن لا يوفون بهذا العهد، والعهد على قسمين: عهد مُوفى به، وعهد يُنقض، والمذموم هو العهد الذي يُنقض به، والممدوح هو الذي يُوفى به، فبعض العلماء يقول (¬2): إن معنى {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ} أن الذي ينقض العهد تقول العرب: لا عهد له. فالذي لا وفاء له كأنه لا عهد له؛ ولذا قال:
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (116) من سورة الأنعام.
(¬2) انظر: القرطبي (7/ 255).

الصفحة 56