كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

{وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} العقاب: هو النكال على الذنب، قيل: سُمي عقابًا لأنه يأتي عَقِبَه من أجله.
فعلينا معاشر المسلمين أن نتفهم هذه الآية، وأنّا إذا رأينا السفهاء ومن لا يطيعون الله يتعالنون بمعاصي الله أن نغيرها بحسب استطاعتنا؛ لئلا يعُمنا الله بعذاب من عنده، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) مراتب تغيير المنكر فقال: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَهُوَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ» (¬1).
فمن قدر منا أن يُغير بيده فليغير بيده، ومن لم يقدر على التغيير باليد فباللسان، ومن عجز عن ذلك كله فبالقلب، وهو أضعف الإيمان. ويوشك أن المعاصي إذا لم تزل تُرتكب ولا ينهى عنها أحد أن ينزل عذاب من الله عَامّ يعم الصالح والطالح، والعاجز حقيقة يبعثه الله على نيته، ولا يناله شيء من إثم أولئك الآثمين، إلا أن العذاب وقت نزوله يعم الجميع كما جاءت الأحاديث بذلك. وهذا معنى قوله: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)} [الأنفال: الآية 25] كونه شديد العقاب فيه تحذير شديد وتخويف لمن يُقصر في امتثال أمره واجتناب نهيه، فليس للمسلم أن يُقصر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما وجد إلى ذلك سبيلاً.
{وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ
¬_________
(¬1) مسلم في الإيمان، باب (بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص .. ) حديث رقم: (49) (1/ 69).

الصفحة 561