كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وبإنزال الملائكة تثبتهم، وتلقي الرعب في قلوب عدوهم. وهذا معنى قوله: {فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} كأن في الكلام محذوفًا دل المقام عليه {وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ} فقراء لا أموال لكم {فَآوَاكُمْ} الله وقواكم بنصره وجعل لكم الأموال {وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} كما رزقكم بغنائم يوم بدر، وهو مال طيب أطابه الله لهم بعد أن لامهم عليه لومًا شديدًا، وقال: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)} [الأنفال: الآية 68]، ثم قال بعد ذلك: {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا} [الأنفال: الآية 69] وهي الطيبات التي رزقهم {وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: الآية 26] لله نعمه.
وقد قدمنا في هذه الدروس مرارًا (¬1) أن الشكر في القرآن يُطلق من الرب لعبده، ويُطلق من العبد لربه.
فإطلاق الشكر من الرب لعبده كقوله: {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: الآية 34] {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: الآية 158].
وإطلاقه من العبد لربه: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: الآية 13] {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: الآية 185].
فشكر الرب لعبده معناه: أن يُثيبه الثواب الجزيل من عمله القليل.
وشكر العبد لربه قال بعض العلماء: ضابطه المنطبق على جزئياته: هو أن يستعمل جميع نعم الله فيما يرضي الله، فهذه العيون
¬_________
(¬1) راجع ما سبق عند تفسير الآية (53) من سورة البقرة.

الصفحة 564