كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

التي فتحها في أوجهكم تبصرون بها، نعم عظمى منه إليكم، فشكرها: أن لا تستعملوها إلا في طاعة الله، ولا تنظروا بها إلا فيما يرضي من خلقها ومنّ عليكم بها، وهكذا الأيدي والأرجل وسائر النعم. أما العبد المسكين الضعيف الذي يُنعم عليه خالق السماوات والأرض بنعمه ثم يصرف نعمه فيما يسخطه ويغضبه فهذا مجنون. وهذا معنى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي: لأجل أن تشكروا على ذلك الإنعام.
ثم قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: آية 27] قال جماعة من المفسرين (¬1): نزلت هذه الآية الكريمة في أبي لبابة بن عبد المنذر الأوسي الأنصاري (رضي الله عنه)، كان بنو قريظة حلفاء الأوس من الأنصار، وكان أبو لبابة صديقًا لهم، وكان في بني قريظة أمواله وأهله، فلما حاصر النبي صلى الله عليه وسلم بني قريظة وأرادوا أن يُحكّموا فيهم سعد بن معاذ (رضي الله عنه) قال بنو قريظة -أرسلوا- للنبي أن يرسل إليهم أبا لبابة بن عبد المنذر (رضي الله عنه)، وكان مناصحًا لقريظة يثقون فيه أشد الثقة، فلما جاءهم استشاروه: هل ينزلون على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار بيده إلى حلقه، يعني: أنه الذبح إذا نزلتم على حكمه. قال أبو لبابة (رضي الله عنه): والله ما برحت قدماي مكانهما حتى علمت أني خنت الله ورسوله وخنت أمانته. فندم أبو لبابة (رضي الله عنه) ندمًا شديدًا، ولم يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع من قريظة إلى هذا المسجد الشريف -مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم- فربط نفسه في سارية من سواري هذا المسجد، وحلف بالله أن لا يأكل ولا يشرب حتى يموت
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 394)، ابن كثير (2/ 300).

الصفحة 565