كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

كرب من كروب الدنيا أو الآخرة وقد فارقه ووجد منه مخرجًا كأنه وجد فارقًا يفرق بينه وبينه ويفصل بينه وبينه. وهذا المعنى معروف في كلام العرب، ومن إطلاق الفرقان بمعنى المخرج قول الراجز (¬1):
ما لَكَ مِنْ طُولِ الأَسَى فُرْقَانُ ... بَعْدَ قَطِينٍ رَحَلُوا وَبَانُوا

أي: ما لك من طول الأسى مخرج، ومنه قول الآخر (¬2):
وكيف أُرَجِّي الخُلد والموتُ طالبي ... وَمَا لِيَ مِنْ كَأْسِ المَنِيَّةِ فُرْقَانُ

أي: ما لي من الموت مخرج ولا بد.
وقال بعض العلماء: {فُرْقَانًا}: نصرًا وتأييدًا؛ لأن الله سمى يوم بدر: (يوم الفرقان) في قوله: {إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ} [الأنفال: الآية 41] لأنه يوم نصر فَرَقَ الله به بين الحق والباطل بأن نصر الفئة المؤمنة القليلة على الفئة الكافرة الكثيرة.
قال بعض العلماء: فرقانًا: فَتْحًا.
وقال بعض العلماء: يجعل الله لكم بسبب تقوى الله فُرْقَانًا، أي: علمًا تُفَرِّقُون به بين الحق والباطل، والحسن والقبيح. والأقوال متقاربة (¬3). وتقوى الله (جل وعلا) كفيلة بكل خير من خيري الدنيا والآخرة {وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [الأنفال: الآية 29] مادة الكاف والفاء والراء في لغة العرب أصل معناها: الستر والتغطية (¬4). فمعنى:
¬_________
(¬1) البيت في السابق.
(¬2) المصدر السابق.
(¬3) انظر: الأضواء (2/ 349).
(¬4) مضى عند تفسير الآية (45) من سورة الأعراف.

الصفحة 569