كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

{وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ} وهذا لا يتعين، وقد يظهر للناظر في الآية أن فيها حذف الصفة، وهو في نظري أقرب مما يذكرون، أن فيها حذف الصفة؛ لأن حذف الصفة إذا دل المقام عليها أسلوب معروف واضح في القرآن العظيم وفي غيره لا لبس فيه. وعلى هذا فالمعنى: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ} [الأعراف: آية 102]. أي: ما وجدنا لهم من عهد مُوفى به. أي: ما وجدنا لهم من عهد يحصل فيه الوفاء خاصة، أما العهد المنقوض فقد يُوجد لكل من الفجرة. وهذا الوجه ظاهر لا خفاء به، ونظيره في القرآن قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: آية 79] والمعنى: يأخذ كل سفينة صحيحة صالحة؛ لأنه لو كان يأخذ السفينة التي خُرقت لما كان خرق الخضر لتلك السفينة فيه فائدة؛ لأن الخضر صرح بأنه خرقها لِتَتَعَيَّب بذلك الخرق، ويكون ذلك سببًا لسلامتها من غصب ذلك الملك لها؛ ولذا قال: {كُلَّ سَفِينَةٍ} وظاهره يعم المخروقة وغيرها، فالصفة محذوفة دلّ المقام عليها.
ونظيره قوله: {وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا} [الإسراء: آية 58] يعني: من قرية ظالمة، بدليل قوله: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: آية 59] وحذف النعت موجود في كلام العرب بكثرة، وإن قال ابن مالك في خلاصته: إنه يقل (¬1). فهو كثير في كلام العرب. ومن أمثلته في كلامهم: قول المرقَّش الأكبر (¬2):
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (71) من سورة البقرة وهو قوله:
وما من المنعوت والنعت عُقل ... يجوز حذفه وفي النعت يقل
(¬2) السابق.

الصفحة 57