كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

{وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} أي: يسترها ويغطيها بحلمه وعفوه حتى لا يظهر لها أثر تتضررون به {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} كذلك الغفران معناه أيضًا: الستر والتغطية؛ لأنه (جل وعلا) يغفر الذنوب، أي: يَسْتُرها ويغطيها (¬1). فالتعبير بالتكفير والغفران كلاهما معناه ستر الذنوب وتغطيتها حتى لا يظهر لها أثر. وفي ذلك التوكيد من الترغيب في التقوى ما لا يخفى، {وَاللَّهُ} جل وعلا {ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} ففضله عظيم، ومن فضله ما تَفَضَّلَ عليكم به، وما نصركم به يوم بدر، وغير ذلك من فضله وإنعامه العظيم. قال بعض علماء التفسير: هذه الآية الكريمة من سورة الأنفال هي التي نزلت فيها توبة الله على أبي لبابة لما قال ما قال لِبَنِي قُرَيْظَةَ، وجاء تائبًا إلى الله نادمًا، وربط نفسه في سارية من سواري هذا المسجد الكريم، وحلف أن لا يأكل ولا يشرب حتى يموت أو يتوب الله عليه، وأُغشي عليه بعد سبع فتاب الله عليه، قالوا: هذه فيها توبته؛ لأنه اتقَى الله بالندم على ما فات، والإقلاع، وربطه نفسه، واعترافه بالزلة، فجعل الله له من زلته في بني قريظة فرقانًا، أي: مخرجًا أخرجه به من مَأْزق الذَّنْب، وتاب عليه (جل وعلا)، هكذا قاله بعض العلماء، والله تعالى أعلم، وهذا معنى قوله: {إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: الآية 29] فضله عظيم على خلقه إذ يتفضل عليهم بخيرات الدنيا والآخرة.
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)} [الأنفال: الآية 30].
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (155) من سورة الأعراف.

الصفحة 570