كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

قال بعض العلماء: هذه الآية من سورة الأنفال مكية (¬1)، مع أن الأنفال مدنية. والأظهر أن هذه الآية كغيرها من سورة الأنفال مدنية؛ وذلك أن الله لما فتح على نبيه، ونصره يوم بدر، وأنزل سورة الأنفال في وقعة بدر، ذكَّر نبيه بنعمه الماضية عليه في مكة قبل هجرته منها، وعرَّفه إنعامه عليه حيث أنجاه من مكر أعدائه {وإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [الأنفال: الآية 30]. واذكر يا محمد -صلوات الله وسلامه عليه- أيام كنت في مكة بعد أن مات عمك الذي كان ينصرك ويحوطك، وهو أبو طالب، وتمكنت قريش من أن يؤذوك ويخرجوك، ودبروا لك ذلك المكر العظيم، اذكر إنعامي حيث مكرتُ بهم وجعتلها عليهم لا لهم. واذكر إذ {يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} المكر: المكيدة، وهو إخفاء الكيد ليوصل الشر إلى الممكور به في خفاء.
{الَّذِينَ كَفَرُواْ} كفار مكة؛ وذلك أن أشراف قريش اجتمعوا في دار الندوة يتشاورون في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وجاءهم شيخ في صفة شيخ جليل، فقالوا له: ممن أنت؟ فقال: أنا شيخ من أهل نجد، وهو الشيطان، تمثل لهم في صورة ذلك الشيخ، قال لهم: لست من أهل تهامة وإنما أنا من أهل نجد -وكان أهل نجد في ذلك الوقت كفارًا، وقريش يثقون فيهم لكفرهم، وأن الجميع على ملة واحدة- قال لهم إبليس في صفة ذلك الشيخ اللعين: سمعت أنكم تجتمعون لتتشاوروا في رأي هذا الرجل فجئتكم، ولا تعدمون مني رأيًا حسنًا في هذا الأمر.
فقال بعض قريش - فقالوا: ممن قاله: أبو البختري -: خلونا
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (13/ 502).

الصفحة 571